الخميس، 17 أغسطس 2023

تنبيهات د. أمير عبدالله حول استخدام باب نقد | اقتباس كتبة الأسفار الكتابية من الحضارات القديمة |

 الأخذ عن الحضارات السابقة وتطعيم الكتاب بها هو مما ثبت عن اليهود، بل والنصارى

وهو من باب النقد الإسلامي والشرعي وليس بخارج عنه إذا ما ثبُت مشابهة تخالف ما ثبت بالنص عن الله ورسوله وتضاهي قول من كفر، وهذا النوع من الحجاج وبيانه في كتاب الله كما قوله عن تحريف عقيدتهم وادعاء اليهود البنوة لعزير وادعاء النصارى البنوة للمسيح فقال تعالى عنهم: " يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل"

فهذا تقرير وبيان من الله لأخذهم عن أمم الكفر. بل إن كتابهم نفسه يشهد أخذهم العقائد والعبادات عن الأمم المجاورة، فكل ما يثبت بدليله ويخالف أصول الدين وتوحيد الله فهو باب للنقد مشروع. على أن يتحرى المسلم الانصاف وأن يعلم أن ليس كل مشابهة هي من قبيل الأخذ عنهم.

---------------

أما ما لم يأتِ به نص، من أقاصيصهم، فهذا مما قال عنه رسول الله لا تصدقوهم ولا تكذبوهم. ولا يُنسب كذلك لله إلا ببينة. كما لا يُنفى عنه الوحي إلا ببينة.

فإذا وجدت في هذا الذي لم يرد فيه نص، أخطاءً واختلافاتٍ وتناقضات فهذا يقينًا ليس من عند الله.. فعندك في وحي الله القاعدة الربانية الشرعية، "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"، إن وجدت فيه اخطاءً علمية وتاريخية لا جدال فيها فهذا ليس من عند الله، إذن يُمرر عليه كل قواعد التثبت العقلية للحكم بصحته من عدمه وهذا أقصى ما يمكنك: اثبات القبول العقلي، وليس إثبات النسبة إلى الله.

لأن الخبر عندهم مما لم يرد فيه نص، حتى لو صح عقلًا، فمُحال نسبته إلى الله إلا ببينة وبرهان من قال الله وقال الرسول، وهذا مُحال بعد انقطاع الوحي في حق ما لم يرد به نص: فليس لك بعد الحكم بالقبول العقلي إلا التوقف في نسبته إلى الله فلا تصدقهم ولا تكذبهم.

والحكم بالقبول العقلي نفسه كذلك غير مستطاع في كل نص.

فمثلًا:

إذا وجدت في هذا الذي لم يرد فيه نص قصص فيه ما تظنه خيال أو محال يحيله العادة، ونُسِب فعله إلى نبي، فيُحتمل صحته من باب اصطفاء الله لهذا النبي بالآيات، فهذا كذلك ليس في ذاته مجالا للتكذيب ولا التصديق والحكم عليه بل يُترك حقيقة أمره لله.

وكذلك إذا وجدت في هذا الذي لم يرد فيه نص أحكام شرعية توراتية ولو كان ظاهرها التكلف أو المشقة أو ما لا يُطاق، فهي كذلك مما لا يجوز فيه الجزم بأنها من الوحي أو ليست من الوحي، لأن الله شدّد على اليهود في الاحكام وشدد عليهم بالإصر والأغلال، لكثرة مخالفتهم لشريعة الله وتكذيبهم.

هذه النقطة الاولى وفيها تفصيل لكن هذا بعض ما أتذكره وأرى أهميته.

أما النقطة الثانية، وهي أنهم في قصصهم يُشابهون قول الذين كفروا من قبل، فأنت هنا أمام احتمالين إما أن يكون يكون ظاهره التشابه ويحتمل التأويل، وإما أن يكون مثله على الحقيقة:

الأول: أن يكون ظاهره التشابه ويحتمل التأويل. فهنا لا تستطيع الجزم بأنه أخِذ عنهم.. والواجب الشرعي التوقف في ذلك. ولا يُحكم بأنه وحي ولا أنه ليس بوحي، كذلك لا يجوز اعتساف التأويل لهم، والقول بغير ما قرروه أو ما يُخالف تصريحات نصوص أخرى، مع العلم أن التأويل لا يكون إلا :

في نص سلم من المعارض 

وسلم من الخطأ في الألفاظ والحقائق

 أو أمكن استعادة لفظه 

ووافق إذا تأولناه نصًا بينه الله ورسوله واثبته لهم 

 ووافق كذلك قرينة عندهم تدل على هذا التأويل 

مع العلم أن هذه النصوص التي قد يتأولها من يتأولها هي في حقيقتها اثبات للتحريف، تحريف الكلم عن مواضعه، تحريفهم لمعنى النص، أو لتغيير ما وُضِع لأجله أو تحريف لفظه، فيكون الغاية ممن أراد أن يتأول النص من إخواننا هو بيان الحق وإثبات التحريف ورد النص إلى أصله الذي كان عليه من الحق، وهذه مهمة عسيرة بل تكاد تكون مستحيلة، لا تستقيم فندر أن تجد تأويلًا يحقق كل ما سبق، ما لم يعضد نص بقال الله وقال الرسول، ومع ذلك نجد تعسفًا واضحًا من بعض إخوتنا ممن يحتاط ليستنطق النص بأي طريقة كانت ولو خالف في ذلك المنهج العلمي والشرعي. والأولى من هذا التعسف هو التوقف في الحكم عليه وهذا ما جاء به الشرع.

الثاني: أن يكون مثله على الحقيقة، ودلت القرائن على ذلك، فهنا أنت كذلك امام أمرين:

1) إما أن يكون الوثنيون هم من اقتبسوا منه،

2) أو ان يكون كتبة الكتاب هم من أخذوا عن الأمم

وللحكم على ذلك يُنظر في طبيعة القصص، وتاريخ النص السابق واللاحق[توضيح مني أي هل النصوص الكتابية أم الوثنية ]، والمكان الذي ظهر فيه، وعقائد هذا المكان السائدة، وما دلت عليه الحفريات، والمكتشفات، ويُنظر كذلك للألفاظ المستخدمة هل هي من أصل لغة الكتاب أم دخيلة من لغة من عاشروهم وسكنوا معهم من أهل الأمم، وكذلك يُنظر في العقائد المبثوثة في الكتاب في هذا النص محل البحث .. وإذا ثبُت بدليله فلا حرج من الحكم عليه بل قد يكون من الواجب الشرعي بيانه وإثبات الأخذ عن الوثنيات القديمة، مع بيان الهيمنة القرآنية في المقابل

وهذا جائز شرعًا، لأن الله بيّن أنهم فعلوه، يعني هو فعلًا واقع منهم بدليل الوحي القرآني :

 ولأنه فعلًا واقع منهم بدليل نصوص كتابهم التي تُقرر بأنهم أخذوا عن الأمم وعبدوا معبودات الأمم

ولأن علمائهم اليوم يُقرون بذلك ولا مناص

ولأن البحث العلمي والاكتشافت الأركيولوجية الأقدم تدل على ذلك

وهذا كذلك ما يحضرني هنا

الامر الأخير، مسألة الأبيات الشعرية التي قد يستشهد بها وقول رسول الله عن بيت لبيد أصدق ما قالته العرب، فهذا لأنه التوحيد فلا مجال له هنا فالتوحيد منذ خلق الله الخلق معلوم لكل البشر.. ولا يُقال في التوحيد من أخذ عن من بل هو أصل ثابت في الفِطر والشرائع وعند كل الأمم

أما عن بيت أمية للإشارة للملائكة حملة العرش في صورة رجل وثور وأسد ونسر، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق. ومقارنة ذلك بما هو عند أهل الكتاب، واتخاذ ذلك ذريعة في عدم نقد ما عند أهل الكتاب وثبت أنه مأخوذ من الاساطير التي كانت عند الأمم.. فهذا فيه قِصر فهم لحقيقة الإثبات والنفي، وبُعد عن اصل ما جاء به الشرع، وعدم تحرير لمعنى الأساطير وحقيقتها

الأول: أنه لا شيء يثبت لا في القرآن ولا في السنة ولا في أي كتاب إلا إن قال الوحي أنه وحي.. ثبت عن الله أن هذا ما جاء به الوحي فتُسلم تسليمًأ. أنت لا تُسلم أن يتكلم هدهد وأن تنطق نملة، لكن الوحي قاله فيقينًا تجزم به وتُسلم تسليمًا.. فهذا الإيمان مقدم عن كل بحث، وهذا يسري عليك ويسري عليهم، إلا أن إيمانك يًستدل له وإيمانهم لا يُستدل عليه كما في ثانيا.

ثانيًا: أن نطق الوحي بصحة وثبوت أمر، مفتقر إلى خصيصة الثبوت العقلي ونسبة صحة القول إلى قائله، وهو الإسناد وعدم الانقطاع والتواتر. وهذه الخصيصة ثابتة قائمٌة في حق كتابك ودينك، ومفقودةٌ وضائعةٌ في حق دين أهل الكتاب وكتبهم، فكتابهم مفتقر لهذه الخصيصة، فلا سند ولا صحة ثبوت عندهم، بل كتاب مقطوع جُمِع بعد ضياعه ولا يُعرف من جمعه.

ثالثًا: أنه لابد أن نمايز بين ما هو أسطورة وما ليس بأسطورة، الحد الفاصل بين الأسطورة وبين الوحي: هو أن ينطق الوحي والنبي بصدق الخبر والآية .. وهذه عندك ويفتقر له اهل الكتاب. إذا قال الوحي، ان هذا من عند الله سقط بالتبعية كونه مأخوذ من أساطير الأمم، بل نجزم يقينًا ان الأمم أخذته من بقايا الوحي الذي نزل عندهم.[توضيح تلك النقطة مبنية على حقيقة أن الله قد أرسل لكل أمة رسولا وهذا ما ثبت بالوحي و ما يثبته العقل] لذا إذا وجدت التوحيد عند الوثنيين فتجزم أنهم أخذوه من بقايا الوحي، لأن وحي الله في كل زمان ومكان جاء به. الكعبة نفسها كان يحج إليها الحنيفيون الموحدون والوثنيون على حد سواء. فلما لا تقول عنها أو عن الحج أنها من الاساطير؟ ولما لا تقول عن هيكل سليمان وبيت المقدس أنه من الأساطير؟ لأن الحج شعيرة توحيد، في كل دين نزل من الله، ولأن البيت بيت إبراهيم، وبيت داود وسليمان مما عُرِف بالوحي، فقطعنا وجزمنا بانه ليس من الأساطير، بل هو من الحق والأمم عالة على هذا الحق.

رابعًا: ومما يُمايز كذلك بين ما هو أسطورة وما هو من الوحي الجزم الرباني بأنه كذب على الله. فحين يذكر سفر التكوين أبناء الله ويزعم أكابرهم أنهم الملائكة الساقطة، وزواجهم من بنات الناس، هذا لا يُؤول، بل هو من الكذب على الله ومن مفتريات الأمم، وعقائد بابل التي وجدت طريقها للكتاب. ونفى الله أن يعصيه الملائكة، فضلا عن يُنسب له البنوة مطلقًا العامة والخاصة، فهذا يدلك على ما هو أسطورة وما هو من بقايا الوحي.

خامسًا: ومما يُمايز كذلك بين ما هو أسطورة وما هو من الوحي: المصدر الذي وافقته. فإذا كان مثلًا: المشابهة في الخبر مع مصدر سابق لك هو أمية بن ابي الصلت الموحد على ملة إبراهيم، ومصدر سابق لهم هو أحد عبدة أوزوريس أو عشتاروت أو البقر، فلا وجه للمقارنة، وإذا سُئل اي عاقل: أيهما يُرجح ان يكون اسطوري وايهم من بقايا الحق؟ فإنه يجزم أن ما قال أمية أقرب لبقايا الحق، لأن أمية بن الصلت كان كما كان رسول الله على دين إبراهيم قبل الإسلام، الحنيفية، وكان أمية معلومًا بالحنيفية ومن دعاة التوحيد إلى الله. والحنيفية ملة إبراهيم كانت وحي الله بين العرب قبل الإسلام، فلا يمنع أن يكون قوله من الوحي بل يقينًا هو كذلك.. بينما عبدة أوزوريس والحجر والوثن إن قالوا خبرًا، في موطن لم يُعرف بالنبوات، وجمع كل أشكال الوثن، فاقرب ما يجزم به العقل أسطوريته وأنه أقرب إلى الكذب والدجل والأسطورة، ويبعُد نسبته إلى الله، خاصة وأنهم يجزمون أنه ليس من تعليم الله في كتبهم، بل من تعليم بشر حكماء بينهم، إذن لمصدر الخبر السابق كذلك عامل في نسبته إلى الأسطورة أو إلى بقايا الوحي.

إذن كل ما صدقه الوحي عند الأمم السابقة هو من بقايا ومن صحيح الوحي، فليس هذا ما يُطلق عليه أساطير الأمم.. بل يُقال عن صدق ما قاله أمية نفس ما يُقال عن صدق أنبياء الكتاب المقدس فيما قد يأتون به من عجائب ومعجزات ينسبونها إلى الله، ويُصدقها الوحي كإحياء عيسى للموتى وفلق موسى للبحر وغيرها.

سادسًا: من القرائن الدالة على أن يكون الخبر عند الأمم السابقة من الوحي أو أقرب إلى الكذب والأسطورة، أن تكون معطيات الخبر موافقة إجمالا لما هو من جنس الوحي. فمثلًا: من أن بيت أمية ليس فيه ما يُخالف معطيات الوحي، فأنت بالوحي في غير موضع تعرف أن للعرش حملة من الملائكة، وأن الله خلق لهم صورًا، ومن الوحي تُتبت صفة القدم لله، وتعرف أن الملائكة تأخذ شكل الإنسان، وتأخذ أي صورة يريدها لهم الله، كما جاء جبريل للنبي على صورة دحية الكلبي، وكما تمثل الروح لمريمَ بشرًا سويًا، ومرة أخرى عرفته بالوحي والسند ولا مجال للعقل في إثباته أو نفيه. فكلها قرائن تأخذك إلى باب الوحي إذا جمعتها مع ثبوت الخبر وتصديق النبي الصادق لها، إذن تضافرت كلها لتنفي الاسطورية.

فأين هذا من أساطير الكتاب المقدس؟ خسِئت المقارنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك المنشور

موضوعات ذات صلة

موضوعات مشابه