أوجز الكندي في رسالته إلى المعتصم بالله ،( 179-
227 هـ / 795 - 841 م ) منهاج الحضارة الإسلامية
في الانفتاح على الحضارات العالمية ، فقال :
( وينبغي أن لا نستحي من الحق واقتناء
الحق من أين أتی، وإن أتي من الأجناس القاصية عنا والأمم المباينة النا ، فإنه لا شيء
أولى بطالب الحق من الحق، وليس ينبغي بخس الحق ولا التصغير بقائله ولا بالآتي به، ولا
أحد بـُخس بالحق ، بل كل يشرفه الحق .. ومن أوجب الحق أن لا تذم من كان أحد أسباب منافعنا
الصغار الهزلية، فكيف بالذين هم أكبر أسباب منافعنا العظام الحقيقية الجدية ، فإنهم
وإن قصروا عن بعض الحق ، فقد كانوا لنا أنسابا وشركاء فيما أفادونا من ثمار فکرهم،
التي صارت لنا سبيلا و آلات مؤدية إلى علم کثير مما قصروا عن نيل حقيقته ، ولا سيما
إذ هو بين عندنا وعند المبرزين من المتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا.
إنه لم ينل الحق - بما يستاهل الحق - أحد من الناس بجهد طلبه،
ولا أحاط به جمعيه، بل كل واحد منهم إما لم ينل منه شيئا ، وإما نال منه شيئا يسيرا بالإضافة
إلى ما يستأهل الحق، فإذا جمع بسير ما نال كل واحد من النائلين الحق منهم ، اجتمع من
ذلك شيء له قدر جليل . فينبغي أن يعظم شكرنا للآتين بيسير الحق ، فضلا عمن أتی بكثير
من الحق ، إذ أشركونا في ثمار فكرهم، وسهلوا لنا المطالب الخفية، بما أفادونا من المقدمات
المسهلة لنا سبل الحق، فإنهم لو لم يكونوا ، لم يجتمع لنا مع شدة البحث في مددنا كلها
هذه الأوائل الحقية ، التي بها تخرجنا إلى الأواخر من مطلوباتنا الخفية ، فإن ذلك إنما
اجتمع في الأعصر المتقادمة عصرا بعد عصر إلى زماننا هذا ، مع شدة البحث ولزوم الدأب
وإيثار التعب في ذلك.)
المرجع
من مقال "أضواء على حقائق الإسلام – أ. د محمد عمارة مجلة الأزهر عدد ذو القعدة 1439 هـ صـ 1964و 1965 .
المرجع الأولى : قدري حافظ طوقان "تراث العرب العلمي " ص 171، 173 ، 174 ، ط القاهرة سنة 1963 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق